الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.خبر السقيفة: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتاع الحاضرون لفقده حتى ظن أنه لم يمت واجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة يبايعون سعد بن عبادة وهم يرون أن الأمر لهم بما آووا ونصروا وبلغ الخبر إلى أبي بكر وعمر فجاؤا إليهم ومعهم أبو عبيدة ولقيهم عاصم بن عدي وعويم بن ساعدة فأرادوهم على الرجوع وخفضوا عليهم الشأن فأبوا إلا أن يأتوهم فأتوهم في مكانهم ذلك فأعجلوهم عن شأنهم وغلبوهم عليه جماعا وموعظة وقال أبو بكر: نحن أولياء النبي وعشيرته وأحق الناس بأمره ولا ننازع في ذلك وأنتم لكم حق السابقة والنصرة فنحن الأمراء وأنتم الوزراء وقال الحباب بن المنذر بن الجموح: منا أمير ومنكم أمير وإن أبوا فاجلوهم يامعشر الأنصار عن البلاد فبأسيافكم دان الناس لهذا الدين وإن شئتم أعدناها جذعة أنا جذيلهما المحكك وعذيقها المرجب وقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصانا بكم كما تعلمون ولو كنتم الأمراء لأوصاكم بنا ثم وقعت ملاحاة بين عمر وابن المنذر وأبو عبيدة يحفضهما ويقول: اتقوا الله يامعشر الأنصار أنتم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من بدل وغير.فقام بشير بن سعد بن النعمان بن كعب بن الخزرج فقال: ألا أن محمدا من قريش وقومه أحق وأولى ونحن وإن كنا أولى فضل في الجهاد وسابقة في الدين فما أردنا بذلك إلا رضى الله وطاعة نبيه فلا نبتغي به من الدنيا عوضا ولا نستطيل به على الناس فقال الحباب بن المنذر: نفست والله عن ابن عمك يابشير فقال لا والله ولكن كرهت أن أنازع قوما حقهم فأشار أبو بكر إلى عمر وأبي عبيدة فامتنعا وبايعا أبا بكر وسبقهما إليه بشير بن سعد ثم تناجى الأوس فيما بينهم وكان فيهم أسيد بن حضير أحد النقباء وكرهوا إمارة الخزرج عليهم وذهبوا إلى بيعة أبي بكر فبايعوه وأقبل الناس من كل جانب يبايعون أبا بكر وكادوا يطأون سعد بن عبادة فقال ناس من أصحابه اتقوا سعدا لا تقتلوه فقال عمر: اقتلوه قتله الله وتماسكا فقال أبو بكر: مهلا يا عمر الرفق هنا أبلغ فأعرض عمر ثم طلب سعد في البيعة فأبى وأشار بشير بن سعد بتركه وقال: إنما هو رجل واحد فأقام سعد لا يجتمع معهم في الصلاة ولا يفيض معهم في الحديث حتى هلك أبو بكر ونقل الطبري أن سعدا بايع يومئذ وفي أخبارهم أنه لحق بالشام فلم يزل هنالك حتى مات وأن الجن قتلته وينشدون البيتين الشهيرين وهما:.الخلافة الإسلامية: الخبر عن الخلافة الإسلامية في هذه الطبقة وما كان فيها من الردة والفتوحات وما حدث بعد ذلك من الفتن والحروب في الإسلام ثم الإتفاق والجماعة ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أمر السقيفة كما قدمناه أجمع المهاجرون والأنصار على بيعة أبي بكر ولم يخالف إلا سعد إن صح خلافه فلم يلتفت إليه لشذوذه وكان من أول ما اعتمده إنفاذ بعث أسامة وقد ارتدت العرب إما القبيلة مستوعبة وإما بعض منها ونجم النفاق والمسلمون كالغنم في الليلة الممطرة لقلتهم وكثرة عدوهم وإظلام الجو بفقد نبيهم ووقف أسامة بالناس ورغب من عمر التخلف عن هذا البعث والمقام مع أبي بكر شفقة من أن يدهمه أمر وقالت له الأنصار فإن أبي إلا المضي فليول علينا أسن من أسامة فأبلغ عمر ذلك أبا بكر فقام وقعد وقال: لا أترك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أخرج وأنفذه ثم خرج حتى أتاهم فأشخصهم وشيعهم وأذن لعمر في الشخوص وقال: أوصيكم بعشر فاحفظوها علي: لا تخونوا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الطفل ولا الشيخ ولا المرأة ولا تغرقوا نخلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا للأكل وإذا مررتم بقوم فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له وإذا لقيتم أقواما فحصوا أواسط رؤسهم وتركوا حولها فتل العصاب فاضربوا بالسيف ما فحصوا عنه فإذا قرب عليكم الطعام فاذكروا اسم الله عليه وكلوا ترفعوا باسم الله يا أسامة اصنع ما أمرك به نبي الله ببلاد قضاعة ثم أتت آفل ولا تقصر في شيء من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ودعه من الجرف ورجع.وقدكان بعث معه من القبائل من حول المدينة الذين لهم الهجرة في ديارهم وحبس من بقي منهم فصار مسالح حول قبائلهم ومضى أسامة مغذا وانتهى لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وبعث الجنود في بلاد قضاعة وأغار على أبنى فسبى وغنم ورجع لأربعين يوما وقيل لسبعين ولم يحدث أبو بكر في مغيبه شيئا وقد جاء الخبر بارتداد العرب عامة وخاصة إلا قريشا وثقيفا واستغلظ أمر مسيلمة واجتمع على طليحة عوام طيء وأسد وارتدت غطفان وتوقفت هوزان فأمسكوا الصدقة وارتد خواص من بني سليم وكذا سائر الناس بكل مكان وقدمت رسل النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن واليمامة وبني أسد ومن الأمراء من كل مكان بانتقاض العرب عامة أو خاصة وحاربهم بالكتب والرسل وانتظر بمصادمتهم قدوم أسامة فعاجلته عبس وذبيان ونزلوا في الإبراق ونزل آخرون بذي القصة ومعهم حبال من بني أسد ومن انتسب إليهم من بني كنانة وبعثوا وفدا إلى أبي بكر نزلوا على وجوه من الناس يطلبون الاقتصار على الصلاة دون الزكاة فأبى أبو بكر من ذلك وجعل على أنقاب المدينة عليا والزبير وطلحة وعبد الله بن مسعود وأخذ أهل المدينة بحضور المسجد ورجع وفد المرتدين وأخبروا قومهم بقلة أهل المدينة فأغاروا على من كان بأنقاب المدينة فبعثوا إلى أبي بكر فخرج في أهل المسجد على النواضح فهربوا والمسلمون في اتباعهم إلى ذي خشب ثم نفروا إبل المسلمين بلعبات اتخذوها فنفرت ورجعت بهم وهم لا يملكونها إلى المدينة ولم يصبهم شيء وظن القوم بالمسلمين الوهن فبعثوا إلى أهل ذي القصة يستقدمونهم.ثم خرج أبو بكر في التعبية وعلى ميمنته النعمان بن مقرن وعلى ميسرته عبد الله بن مقرن وعلى الساقة سويد بن مقرن وطلع عليهم مع الفجر واقتتلوا فما ذر قرن الشمس إلا وقد هزموهم وغنموا ما معهم من الظهر وقتل حبال واتبعهم أبو بكر إلى ذي القصة فجهز بها النعمان بن مقرن في عدد ورجع إلى المدينة ووثب بنو ذبيان وعبس على من كان فيهم من المسلمين فقتلوهم وفعل ذلك غيرهم من المرتدين وحلف أبو بكر ليقتلن من المشركين مثل من قتلوه من المسلمين وزيادة واعتز المسلمون بوقعة أبي بكر وطرقت المدينة صدقات وقدم أسامة فاستخلفه أبو بكر على المدينة وخرج في نفر إلى ذي خشب وإلى ذي القصة ثم سار حتى نزل على أهل الربذة بالأبرق وبها عبس وذبيان وبنو بكر من كنانة وثعلبة بن سعد ومن يليهم من مرة فاقتتلوا وانهزم القوم وأقام أبو بكر على الأبرق وحرم تلك البلاد على بني ذبيان ثم رجع إلى المدينة.
|